ظلال القراءة واختطاف المعنى
بقدر ما يُتيحُ الإيقاعُ، الذي أصبح يَحكمُ الحياةَ الحديثة، مَناطقَ عديدةً للتأمّل الفكريّ ولتجديده ويُجذّرُ الحاجةَ إلى القراءة المَرحة بما هي فكر، يُتيحُ هذا الإيقاع أيضًا للتفاهة تَحصينَ ذاتها وبناءَ سُمْكها حتّى من داخل ما يُمْكنُ أن ينتسِبَ ظاهريًّا إلى القراءة نفسِها. فما يُهدِّدُ القراءةَ ليس فقط أنْ تفقدَ قيمَتها وتُنْسَى في سياق التراجُع عن كلِّ ما يُسْهمُ في نَمائها وتجذّرها، إنّ التهديدَ الأكبر هو أنْ تُحْجَبَ باسْمِ مُمارَستِها، وأنْ تُنجَزَ من جهاتٍ مُنتحِلةٍ للصّفةِ في سياق اختطافِ المَعنى.
تبدو مهمّةُ القراءة اليوم مُعقّدةً في زَمن يُقوّي عُزلتَها، إذ يبدو وَضْعُ المعنى راهنًا كما لو أنّه يشتغلُ وينمو ضدّ ما ترومُ القراءةُ تحصينَهُ، أي تحصين العُمْق بصَوْن مجهول الأشياء وإدامَتِه. فصورةُ المتاهة، التي كثيرًا ما أغْرَت القرّاءَ الكبار في وَسْمِ المعنى وتسميَةِ تملّصه وانفلاته، لم تَعُدْ وقْفًا على المعنى، بل صارت التفاهةُ هي أيضًا تُطالِبُ بحصّتها من المتاهة، بما يَضمنُ للبلاهة سراديبَ مُتشعِّبة. أنْ يَغدوَ للتافه والسفيه والمُبتذَل متاهاتُهُ في الحياة الحديثة، فذلك ما يُضاعِفُ مَسؤوليّةَ الفكر والقراءة والتأويل، من أجل صَوْن المجهول الذي يَشهدُ طمْسًا مُطّردًا.
لا يوجد مراجعات