مرايا القراءة
القراءةُ فعل شديد التعقيد ومُتملص من كُلٍّ سَعْي إلى حَصْره، لأنّه ينتسب، في تحقْقه الأعلى، إلى اللانهائي، النظريات التي انشغلتْ بهذا الفِعل تَوَجَهَتْ، في الغالب العامّ، إلى قوانينه وآلياته، غير أنها ظلت دوماً بمنأى عن إستنفاد مساراتِهِ وإحتمالاته وأسراره، ولا سيما في التجارب التي تحقق فيها هذا الفعلُ بوصفه إنجازاً أدبياً، إنجازٌ يتولد فيه الإبداع، إستناداً إلى إلتباس خلاّق، من داخِل الفعل القرائيّ.
بين نظريات القراءة وفعل القراءة مسافةً لا تقبلُ الإمتلاء، فالثاني هو رافدُ الأولى وإن تحدثتْ، بعد صوغِها لقوانينه، بإسمِ هذا الفِعل، الذي يظلُّ أوسعَ من كلِّ نظريّة، لرُبما تبقى المُصاحبةُ المتأنيّة لتجربة قرائيّة محدَّدة هي، بناءً على ذلك، ما يسمح من الناحية المنهَجيّة والإجرائيّة بالإقتراب من أسرار القراءة ومن دمغة القارئ، الذي يكونُ دوماً نادراً، شأنه في ذلك شأن النصُوص نفسها.
ينصتُ هذا الكتاب لتجربة عبد الفتاح كيليطو القرائيّة، تجربةٌ أنجَزَت القراءة من داخِل الحكي ومكنت الحَكيّ، في الآن ذاته، من الإضطلاع بمهمّةِ القراءة، على نحو أتاحَ للشكل الكتابيّ، الذي به تحقق الفعلُ القرائيُّ، إلتباساً مُتشعباً، إلتباسٌ حرصَ الكتابُ على إقتفاءِ آثاره في التفاصيل الصُّغرى، بُغيَة إستجلاءِ ما تجُودُ به القراءة أثناء تخلّقها وتحققها.
فالكتابُ يرُومُ، بمعنى ما، الإنصاتَ للعل القرائيِّ في حيويّتِه وتفاعُله الإبداعيّ مع المقرُوء، وفي نَسَبهِ، تبعاً لذلك، إلى المجهول وإلى اللانهائيّ.
والجدير بالذكر أن هذا الكتاب قد حاز على جائزة المغرب للكتاب 2018 - صنف الدراسات الأدبية واللغوية والفنية
لا يوجد مراجعات