رسالة إلى الأختين
"لفتني انتباهك للصور. لفتني أيضاً علاقتك الملتبسة بها. تقولين: "أخاف الصور. أنا مع التجريد. أتمنى لو أن اليد التي تصورني أو ترسمني تقترب وتلامسني". حين التقطت تلك الصور، ليديك كنت، من وراء العدسة، أسرق أشياء منك لو عرفت بها حينها لكنت، ربما منعتني من الاقتراب. أشياء لا يمكن تطويعها والتعبير عنها بالأحرف والكلمات. كنت أملأ عيني بك، كمن فاته طويلاً أن يرى ورأى. هذا الجزء من جسدك هو جسدك. ولا أستطيع الآن أن أقول ما الذي وشت لي به تلك اليدان الملطختان بذلك اللون الداكن... أراقبك. أتلصص بخفر على ما تفتح له الحياة في وجهك. على ما أعطي لك على غفلة منك. أنظر إليك وأعود إلى ذاتي لأفك لغز ما رأيت. وأعرف أن الوقت الذي يفصلك عن موعدك هو ذاته الوقت الذي يفصلني عن موعدي. أفكر فيما أصور في قدرة الموت على التماهي حتى في أبسط الكائنات والأشياء وفي أكثرها زهواً. في الجمال، الجمال الإنساني في الأخص، العابر والذي يعي عبوره، كأنه في لحظة جماله الكلي هو الوجه الآخر للموت. لذلك عندما أصور لا أصور فقط ما أرى وإنما أيضاً ما أحسّ به حيال ما أراه. ولا أصور لألتقط اللحظة النزقة وأمسك بزمامها وأجمدها، بل لأطلقها أكثر في حركتها وفي رحابة المدى اللانهائي. عندما أنظر الآن إلى اليدين المفتوحتين كأعطية يتحرك فيّ ذلك الشعور الذي خالجني يوم رأيتهما، في طقوسهما، لأول مرة، وهو شعور لكثرة ما أراه بوضوح، يخيفني".
جميل أن تتشكل العواطف والأحاسيس ضمن أرتال كلمات وعبارات تتقافز وكأنها في مهرجانها الاحتفالي تكريماً.. تتويجاً لروعة الحرف ولإبداع كاتب. هكذا تتراءى المشاهد عندما تطأ عيناك سطور، ونصوص "رسالة إلى الأختين" التي تأخذ في مضمونها شكل الاسترسال الإنساني عند منعطفات الحياة حيث تتداعى أفكار الكاتب، معبرة عن شفافية أحاسيسه، وعن عمق فلسفته، وعن ثقافته يحاول وبغير ادعاء إدخالها في ثنايا نصه الذي يأخذ شكل الرسائل إلى ملهمته.
لا يوجد مراجعات