كرافت
يحصل "ريتشارد كرافت" - هكذا أسميت بطل الرواية، الباحث الألماني في العلوم الإنسانية - على دعوة للسفر إلى "وادي السليكون" للمشاركة في مسابقة علمية. يحصل صاحب أفضل إجابة - في هذه الحالة إجابة متفائلة - عن سؤال المسابقة على مبلغ مليون دولار. جاء سؤال المسابقة كالآتي: "لماذا كل شيء على ما يُرام، وعلى الرغم من هذا يمكن جعله أفضل؟". هذا السؤال في الأساس ليس سوى صياغة حديثة لسؤال "الثيوديسيا" القديم: "لماذا يسمح الإله بوجود الشر في العالم، على الرغم من أن قدرته ورحمته وسعتا كل شيء؟". هذا السؤال الديني الفلسفي القديم كان دائمًا ما يتعلق بالتفاؤل والتشاؤم. قام الفيلسوف الألماني "لايبنتس" في بداية القرن الثامن عشر بصياغة إجابته الشهيرة عن سؤال "الثيوديسيا". جاءت إجابته كالآتي: "إن صفة الكمال لا يمكن أن تنطبق سوى على الإله وحده. وبالتالي فإن العالم الذي نعيش فيه هو أفضل العوالم الممكنة على الرغم من وجود الشر".في عام 1755، حدث زلزال مدمر في مدينة "لشبونة" وراح ضحيته عشرات، بل مئات الآلاف من البشر. انتشر خبر هذه الكارثة سريعًا في أوروبا وزعزع التفاؤل السائد آنذاك. كيف يمكن أن يكون عالمنا أفضل العوالم الممكنة ويلقى مئات الآلاف حتفهم دون أي ذنب؟ كرد فعل على تلك الكارثة، كتب الفرنسي "فولتير" رواية "كانديد" التي جاءت في شكل نقد متشائم وساخر لتفاؤل "لايبنتس". هذا الصراع نفسه بين التفاؤل والتشاؤم يظهر من جديد في روايتي "كرافت". كما تصحبكم الرواية في رحلة إلى ألمانيا التي قسمها "سور برلين" إلى دولتين في فترة الثمانينيات. حيث تلتقون هناك بـ"كرافت" في مرحلة الشباب. كان "كرافت" يدرس آنذاك في برلين الغربية ويكرِّس اهتمامه للسياسة الاقتصادية الليبرالية للرئيس الأمريكي "رونالد ريجان" ورئيسة وزراء بريطانيا "مارجريت تاتشر". راقب "كرافت" بحماس فكرة الدولة ذات المؤسسات القوية التي ينبغي أن تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.. وهي تُستبدل بفكرة ترك تشكيل المجتمع لقوى السوق الحر والقطاع الخاص. هذا الصراع الأيديولوجي الذي يصطدم به "كرافت" مجددًا بعد ثلاثين عامًا في "وادي السليكون".أصبح "كرافت" شاهدًا على سقوط "سور برلين" عام 1989 وإعادة توحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية وانهيار الاتحاد السوفيتي الشيوعي وإعلان الغرب الرأسمالي انتصاره الساحق على التاريخ. لكن كان على "كرافت" أن يعرف أن الأمر ليس بهذه البساطة.
لا يوجد مراجعات