اشباح الجحيم
"حلّقت فوقنا طائرة مروحية قبل أن تدور بغتة في هدير مرعب. دارت فوق هضبة، بعيداً، وتموقعت في طيران ثابت. فجأة، أطلق زوج صاروخ شقّ الهواء في صفير حادّ. رأينا باقتين من النار والغبار ترتفعان فوق قمة تل. فجأة، تدحرجت رعشة على الطريق وأسرع الناس إلى الالتحاق بسياراتهم. فَقَدَ بعضهم الصبر وأداروا مركباتهم للرجوع، مما أحدث ردود فعل مماثلة. في أقل من عشر دقائق، تقلّص عدد السيارات إلى النصف. تابع سائقي بعين ساخرة الهلع الذي استولى على المسافرين واستغلّ انسحابهم ليتقدّم بمئات الأمتار. لا يوجد خطر، قال مطمئناً، ستقوم الهيلوكبتر باصطياد الطريدة. ستُخرج هذه الطلقات المسلحين من جحورهم. ضربات تمويهية. لو كان الأمر فيه خطورة، لرافقتها هيلوكبتر ثانية لحمايتها. كنت "خادم الرمال" لمدة ثمانية أشهر. أعرف جيداً حيل الأميركيين. فجأة، انتفض: كنت مترجماً عند القوات الأميركية. "خادم الرمال"، تسمية تُطلق علينا، نحن معاونو الأميركان... على كل حال، لا مجال للعودة إلى الوراء. ليست مدينة الهلاح إلا على بعد مائة كيلومتر فقط، ولا أريد قضاء ليلة أخرى في الخلاء، إذا خفّت، يمكنك النزول. لست خائفاً، بعد ساعة، عاد المرور إلى طبيعته. عند وصولنا إلى نقطة المراقبة، فهمنا شيئاً ما، الأسباب التي أحدثت الفوضى. كانت هناك جثتان محددتان على كوم من التراب، مخيّطتان بالرصاص، تحملان سروالاً رياضياً أبيض اللون ملطّخاً بالدماء وقميصاً متّسخاً. إنهما الرجلان اللذان صادفتهما بالأمس بالقرب من كفر كرم، يترقبان سيارة، مقر مضيق على مرتفع ترابي، وجراب ضخم عند أقدامهما. قال السائق مغمغماً: خطأ إضافي. إن "البويز" يطلقون النار أولاً، ويتأكدون بعد ذلك. واحد من الأسباب التي دفعتني إلى الاستقالة...".
مأساة ومعاناة العراق وأهله تحدّث بها أشباح الجحيم. يدفع الكاتب بأفكاره لتنطلق عبر شخصيته المحورية التي تمثّل قمة الأمل وقمة اليأس وتشكّل رمزاً لمواطن يحاول المضي بعيداً بجميع الوسائل لإنقاذ وطنه ولإنقاذ نفسه أولاً من ذلك اليأس المخيّم على مواطن لا لشيء إلاّ لأنه عربي.
لا يوجد مراجعات