العقل العربي في القرآن
ما هي اهتمامات العقل العربي، التي واجهها النص القرآني، وعلى هذا النحو دون سواه؟ إن القرآن الكريم قد استخدم لغة العرب في تشكيل نصه، والمعنى الذي ينطوي عليه النص إنما هو من النحو الذي هو عليه، ولم يكن هذا النحو إلا بمقتضى قدرة وعي القارئ المفترض أما لجهة تحصيل المكونات الدلالية للنص، فذلك تابع لوعي القارئ وتطوره أو ركوده، وسيظل النص يجدد حضوره ما دامت القراءات تتجدد، أي ما دام الوعي يتطور. أما العقل فهو الإجراء الذهني أو الحركي بإزاء المكان والزمان والمجتمع، ويتكون من المكان والزمان والمجتمع بمقتضى الحاجة والاهتمام. والنص المقصود هنا، هو النص القرآني، وهو آيات مصرّفة بالأمثال والمواعظ والحكم، والأخبار والأوامر والنواهي، ذو وظيفة إيقاظية في الفرد والمجتمع، توجه إلى الفرد العربي كائناً اجتماعياً، بمكوناته الاعتقادية والثقافية التي تشكل هويته القومية، وأعاد صياغتها ودفعها إلى العالم بهوية أخرى، واعتقادات مختلفة، وأبرز من هذا كله أنه أعاد ترتيب مناهج التفكير والنظر الإنسانيين. وإذا كان العقل هو جملة الإجراءات الذهنية والحركية، فما هي هذه الإجراءات التي اقتضت أن يكون النص القرآني على هذا النحو؟ وما هي أبرز صفات هذه الإجراءات؟
لمعالجة هذه الفرضيات، والإجابة عن تلك الأسئلة؛ عمد الباحث في دراسته هذه إلى معاينة النص القرآني، وملاحظة العقل العربي فيه، والتعرف إلى حركية هذا العقل. لذلك قسم دراسته إلى أبواب وفصول تتوزع المعالجة، فكان الابتداء بمحاولة التعرف إلى العلاقة بين النص والمتلقي، ومقتضى هذا الباب في أن الباحث افترض النص القرآني بوصفه نصاً أدبياً، أخذ نحوه بمقتضى قدرة المتلقي على الفهم. وللتعامل مع هذه الفرضية أخذ هذا الباب عنوانين أساسيين، هما "النص ومكوناته" و"المتلقي منتجاً للنص".
ثم عمد الباحث في الباب الثاني في العقل ومكوناته، مرتكزاً إلى عناوين أساسيين أيضاً هما "العقل؛ تعريفه وحركيته"، أما العنوان الثاني فقد كان "العقل ومكوناته". أما الباب الثالث فقد تضمنت بحثاً في النص القرآني تحت عنوان "القرآن الكريم والإنسان العربي". وقد أفضى البحث إلى مقاربة اهتمامات العقل العربي في الباب الرابع والأخير من خلال تتبع أسماء الله الحسنى في النص القرآني، بوصفها مفردات استخدامها النص لتقدم الله جلّ جلاله للمتلقي بحسب اهتمامه. أما لجهة المنهج الذي اتبعه الباحث في دراسته هذه، فهو في اعتماده النص بنية تنطوي على عناصر تنتج المعنى من خلال العلاقات القائمة بينها بموجب علم النحو، فيرصد الظواهر الأسلوبية في النص بوصفها ميزة الرؤية فتتعامل مع الظاهرة وصفاً وتحليلاً مستبعداً أي رأي مسبق قدر المستطاع.
لا يوجد مراجعات