البساط الذهبي: الحملة البريطانية على العراق وسوريا 1941
كان العراق في الواقع، الدولة الأولى التي تمت فيها تجربة إستخدام القوة الجوية كعقوبة وحيدة وأساسية للمقدرة، وهي فكرة وينستون تشرشل، عندما كان وزيراً للمستعمرات، عندما وضع مشروع إتفاقية مع العراق، تنص على منحهم التحالف مقابل الإنتداب البريطاني، ولهذا السبب فإن القوات الأرضية مثل رجال الشرطة كانت عراقية، والقوة البريطانية الوحيدة التي بقيت فيها، في قاعدة القوة الجوية الملكية مع معسكرها في الحبانية وكتيبة في المجندين الآشوريين لحراستها، وعندما جاءت التجربة، نظم العراقيون جيشاً من 40000، زُوِّروا بالمعدات بشكل سخيّ من قبلنا كحلفاء، ولكن قاعدة القوة الجوية هذه كانت قادرة على إيقاف أي تهديد والتصدي له قدر المستطاع، حتى وصولنا إليهم للمساعدة.
لم نكن ندري حتى الآن، إن كانت التجربة مبررة، إذ أن الأرجحية هي ضدنا بشكل ثقيل، وقد كنا محظوظين حتى الآن، وكما ذكرتنا علامة الطريق، كانت بغداد على مسافة خمس وخمسين ميلاً فقط، قبل مغادرة المعسكر، عدت مع بيلغريف إلى مقر قيادة القوة الجوية حيث التقيت بضابط يرتدي علامة غريبة على قبعته، كان ماثيو، المراسل الحربي الذي سألني عن إجتيازنا للصحراء، كنت متعباً جداً للدخول في التفاصيل، ولكني أجبت، بإمكانك أن تقول بثقة، أنها تعتبر واحدة من أعظم المسيرات في التاريخ، وهي المرة الأولى، منذ أيام الإسكندر الكبير، ينجح فيها جيش في عبور الصحراء من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى ضفاف الفرات.
كان ذلك كافياً، وقد أعيدت على ملايين المستمعين في كافة أنحاء العالم في اليوم التالي، إن منجزات الرجال لا تصبح تاريخاً حتى يمكن عنها، لا توجد أعمال في التاريخ بلا كلمات، هذه هي مهنة التجارة السرية للتاريخ - أن تكتبه بنفسك وأنت سائر، لم أكن أنا خاضعاً لأي وهم من الأوهام، وما إن عدت إلى المخيم على ضفاف البحيرة، حتى بدأت في كتابة، يوميات الحرب لكينغ كول، التي كنت مسؤولاً عنها، حتى هذا الوقت، وهي في خلال بضعة أشهر، ستكون في عين من عيون خزانة قسم الوثائق، في مكتب الحرب... حتى بين كافة الحملات في الشرق الأوسط، والتي قاتلت في الحرب العالمية الثانية، واحدة منها فقط حققت مشاهد تاريخية، واحدة فقط تستوفي مفاهيم الإبداع لتحقيق عمل تاريخي، هكذا كان الأمر في الحرب الكبرى، كم هو صغير دور الثورة في الصحراء، وتأثيرها في المسيرة الضخمة للإمدادات العسكرية في الشرق القريب.
إنطلاق جيوش اللنبي من مصر إلى بئر شبعا وإلى القدس ثم إلى دمشق، متجاهلة، تقريباً مناوشات البدو على الجانبين، ومع ذلك وكما تعاقبت الأحداث، تبقى أعمال دي لورنس الرومانسية الصحراء، تعتبر أعمال أدبية، وهكذا سيكون الأمر ثانية، فعندما تستكن وتخضع الرمال الثقيلة للصحراء الغربية (هذا البساط الذهبي) على أكواخ وبنغازي ستنبثق القصة المتألقة لجيش صغير سار من شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات عبر أراض صحراوية خالية من المياه، لم يجتازها جيش غاز من قبل مطلعاً في التاريخ، حيش يضرب الأرض قدماً حتى ضفاف دجلة ليستولي على بغداد ويدخل مدينة الخلفاء...
تلك هي الأحداث التاريخية التي رافقت الحملة البريطانية على العراق وسوريا عام 1941، دونها سومرست دي جير الذي كان ضابط إستخبارات اللواء في تلك الحملة التي تزامنت مع التمرد الذي حدث في العراق حيث كان مواطنون إنكليز يعلّقون من أجفانهم الحبانية، وكان سفير إنجلتره سجوناً في سفارته ببغداد... حينها بدأ السياح الألمان بإكتساح العراق وسوريا، وكانوا بين قبضتين مسيطر عليهما بشكل غير مباشر من قبل السلطة الألمانية.
وعليه، يمكن القول بأن العراق شهد في أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات من القرن الماضي مرحلة قلقة، تفاعلت فيها العوامل السياسية الداخلية والخارجية، أدت إلى إنقسام السياسيين والشارع العراقي، فبعد مقتل الملك غازي عام 1939، اشتد الصراع الظاهر والخفي بين الإتجاه الوطني المدني والعسكري، وإتجاه المتعاونين مع بريطانيا، التي كانت طرفاً في الحرب العالمية الثانية، وبريطانيا التي احتلت العراق إثر نهاية الحرب العالمية الأولى، زرعت في نفوس العراقيين كراهية ضدها، لعدم تجاوبها مع قضاياهم القوية في فلسطين وسوريا.
تضاف هذه العوامل مع تعاقب الوزارات وإستقالتها، وقع تدخل الجيش وبالتالي في الشؤون السياسية، دعا العقداء الأربعة: صلاح الدين الصباغ، كامل شبيب، محمود سلمان وفهمي سعيد إلى إجتماع مع رئيس أركان الجيش، وأعلنوا حالة طوارئ في معسكر الرشيد، وقد تحرك الجيش إثر ذلك حول بغداد مكان إقامة الوحي على العرش الأمير عبد الإله، مطالباً بإستقالة الحكومة، هرب الوصي إلى الخارج وعيّن الشريف شرق وصياً على العرش بموافقة مجلس الأمة.
كما تألقت وزارة جديدة برئاسة رشيد عالي الكيلاني، أطلق عليها اسم "حكومة الإنقاذ الوطني"، وكان ذلك في 3 نيسان 1941، وعرفت تلك الأحداث بــ "حركة مايس"، لم تكن حكومة الإنقاذ الوطني، راغبة بالحرب، ولكن رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل استغل تلك الأحداث للإنقضاض على الحركة بتنسيق من نوري السعيد وعبد الإله، وبدأ الهجوم على القوات العراقية في الحبانية صباح 2 مايس / أيار/ 1941.
وفي هذا الكتاب يروي الضابط سومرست دي تفاصيل تلك الحملة البريطانية على العراق والتي جاءت بناء على أوامر وينستون تشرشل، وذلك لإستعادة النفوذ البريطاني الذي أوشك على الضياع في تلك الفترة؛ ويقول المؤلف سومرست دي جير صاحب هذه المذكرات بأنه كتب هذا الكتاب أصلاً بناءً على طلب دار نشر كوكيربل وطبع من قبلها على نسق واحد من مطبوعها؛ "قلاع الصليبيين، والرسائل السرية في البلاد العربية" تأليف د. ي. لورنس، وهي قد صممت مبدئياً تلبية لطلب أولئك الذين اشتركوا في الإستيلاء على بغداد أو الإستيلاء على تدمر، مضيفاً بأن هذه الطبعة قد صممت لتلبية رغبات جمهور أوسع، وهي تجمع في كتاب واحد جزأي العمل الأصلي، وبأنه قام بحذف بعض الأسطر، في بعض الأجزاء، وأضاف أخرى، في أماكن مختلفة كي لا يحد خلل في التوازن بالنسبة للقارئ، والصور المنشورة في هذا الكتاب، للمرة الأولى أتمت بموافقة وزير الجوية، كما أضيف إليها الفهرس، مشيراً إلى أن غلوب منحه موافقة لطبع وإضافة تعليقة على الأحداث التي أدت للإستيلاء على بغداد.
لا يوجد مراجعات