دين الحكومة
كتابنا اليوم " دين الحكومة"، لمؤلفه سمير إبراهيم خليل حسن، قراءةٌ جديدة لمفاهيم قديمة قدم البشرية " دستور، نظام، قانون ". ويرى المؤلف أنه من الدِقَّة، الأخذ بكلمة دِين ليُعاد إليها المعنى المقصود بها: " العقد، العهد، الميثاق " ، باعتبار" دستور" كلمة فارسية. وتعني الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجند ومرتباتهم.. وكلمة "نظام" أوردية باكستانية، تدل على الخيط ينظم فيه اللؤلؤ وغيره. كما تعني الترتيب والاتساق والطريقة. وأما كلمة " قانون "، وهي لاتينية، فتدل على شريعة كنيسية.. لينفذ منها إلى كلمة "ديمقراطية" في لسان اليونان. وهي اسم لحُكمٍ يقوم بتصويت الشعب، وبهذه الوسيلة يتساوى صوت المؤمنين من الشعب. ويشير المؤلف أنه بالبحث عن مفهوم الديمقراطية في لسان اليونان، نتبين حقيقة أنَّ لسان فطرة " شام الكنعاني " هو ذلك الأصل. وهو المؤثِّر الرئيس في نشأة هذا المفهوم وغيره من المفاهيم في لسان اليونان. وكان هذا التأثير بسبب هجرة "قدموس" من مدينة صور إلى اليونان. ويشرح المؤلف أنه تبيِّن أساطير اليونان أنَّ قدموس علَّم اليونانيين الأبجدية والكتابة وصناعة الحديد وبناء الحصون، وبقي أثره من بعده.
يحدثنا حسن عن الدين بوصفه قانوناً يحكم المجتمع : " وّالدِّين عند اللّه هو شرع معروف قيِّم لحكمه الاتحادي بسلام في ملكه. له المثل الأعلى. وهو ما وعظ الناس بمثله. وأرسل لهم الرسل ليضربوا لهم المثل على قيام الدين والحكم بمثل ما عنده. لكنّهم ما زالوا لا يفهمون موعظته. ولم يفهموا ما ضربه الرُّسل من مثل. وما زالوا يظنّون ويتفرّقون فى الدين ويتقاتلون. فدين الحكومة هو دستورها كما يقول المؤلّف. ولكلمة «دين » مفهوم أي عقد بين فريقين. ومنه عقد اجتماعي بين الشعب، وهو دائن يبيع بدَينٍ سلطة الحكم والأمر بشرع معروف فى العقد، وبين شار هو حكومة مَدينة تقوم لتسدّد دَينها بما تأمر بشرع المعروف فى العقد.
يشدد المؤلف، بعدها، على أنَّ القرية في كتاب الله، هي اسم لحكومة تقوم في واد ليس فيه أهل يسكنونه. أو فيه عرب "بدو".. فتقيم في ذلك الوادي بيتاً لها، وتضع فيه شرعاً معروفاً من الدين تدعو به الناس ليهاجروا إليها، وتعمل لتقريهم فيه وتؤلِّف بينهم.
كما يرجع المفهوم إلى الأصل القرآني قائلاً : أوّل هذه المفاهيم كلمة “دين”. وثانيها كلمة “مسلم”. وقد كتبت عنها كثيرا. فالمسلم لونان كما يبيّن قول الله:
“أَفَغَيرَ دِينِ الله يَبغُونَ وَلَهُ أَسلَمَ مَن فِى السماوات والأرض طَوعًا وَكَرهًا وَإِلَيهِ يُرجَعُونَ” 83 ءال عمران.
فاسم “مسلم” هو لكلِّ البشر من دون استثناء. ومن بعد النفخ فيه من روح الله. صار منه “مسلم طَوعا” كنوح وإبراهيم. و”مسلم كَرهًا” كقوم نوح وقوم إبراهيم. وهذا التفريق بين المسلمين بدأ مع آدم وزوجه. وتابع مع بنيه وما زال وسيبقى إلى قيام الساعة. والفريقان يؤمنان بالله. المسلم طَوعًا يؤمن بالله بما ينظر ويعلم ويحنف إلى أمام ولا يلتفت إلى خلف. ولا يشرك بما يؤمن به جمع قومه:
“إِنَّ إبراهيم كانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّه حَنِيفًا ولَم يَكُ مِنَ المشركين” 120 النحل.
والمسلم كَرهًا يؤمن بالله وهو يلتفت إلىۤ آبائه. ولا يحنف عمّا قالوه عن الإيمان ويشركهم فى مسئوليته عن إيمانه:
“وَمَا يُؤمِنُ أَكثَرُهُم بالله إِلَّا وَهُم مُشرِكُونَ” 106 يوسف.
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَل نَتَّبِعُ مَآ أَلفَينَا عَلَيهِ آباءنا أَوَلَو كَانَ آباؤهم لاَ يَعقِلُونَ شَيئًا وَلاَ يَهتَدُونَ” 170 البقرة.
فكلّ قوم وشعب وقبيل وطآئفة فريقان. الكثيرون هم المسلمون كَرهًا ويشركون في إيمانهم الآباء. والقليلون هم المسلمون طَوعا لا يشركون الآباء في إيمانهم كنوح وإبراهيم.
أما عن الأحزاب السياسة التقليدية فهي برأيه تفسد فى المجتمع الصالح وتفرّقه وتمزّقه فرقا وطوائف متعادية. وما يسعى إليه السياسي يقوم على مفهوم قول "ميكافيلى" الشهير: "الغاية تبرر الوسيلة". وبهذا المفهوم يعمل السياسي بكلِّ وسيلة يضلّل أهل أي مجتمع عن سبيل الهداية إلى السلام والعمل الصالح. وبضلالهم يبلغ متاعاً ومجداً شخصيّا. الناس في أي مجتمع يحتاجون إلى الحكمة وإلى الحكيم. ولا يحتاجون إلى السياسة ولا إلى السياسي. والحكيم هو مَن يعمل بالهداية بما وصَّى الله وشرعه للمؤمنين. فيرى دينًا للحكومة ولا يرى لها دستورا ولا نظاما. وما يريه من ٱلدِّين شرعا معروفا Constitution. يكتبه فى صحيفة عهدًا وميثاقًا يعرّف للحكومة سبيل قيامها وأمرها وحكمها وتوبتها عن سيِّئاتها وأخطائها. ويودع ذلك الشرع فى "تابوت" وسط بيت الحكم. وله تَدين الحكومة فيما تحكم وتأمر وتقضى وتنهى وتتوب. ليس فى العهد مفاهيم لأىّ طآئفة عن ٱلدِّين. ولا مفاهيم لأىّ قوم. ولا مفاهيم لأىّ طبقة. ولا مكان فى البيت للمشركين (أحزاب الاشتراكية والقومية والطائفية). ولا مكان فيه ولا فى المسجد (مجلس الوزراء) للجنود والجاهلين بسبيل الطعام من جوع وسبيل الأمن من خوف.
ويلفت مؤلف الكتاب إلى أن موقف المسلمين من جميع مفاهيم الحكم الصالح، محكوم بما يظنون من دليل ومفهوم لكلمة "دين" ولغيرها في القرآن الكريم. ويجد أنَّ الشريعة الإسلامية هي شرع الدين عند الله. وبذا فإنه ترفع اليوم أحزابها، شعار (الإسلام هو الحل)، ظانة أنَّه بهذه الشريعة تحل صعوبات وضيق العيش .
ويرى المؤلف أنه يبيِّن هذا الشعار أنَّ أصحابه يجهلون بالدين وشرعه عند الله. وبشعارهم هذا يناقضون صواب المحتوى الحقيقي السليم للدين الإسلامي. وكذا ينكرون ما لدى الناس، بأطرافهم وأطوارهم المختلفة من علم بالدين وشرع، ويفرقون بينهم.
أما لماذا ابتعدت شعوبنا عن القانون أو القانون الإلهي بحسب الكاتب :
"حكم فى بعض بلادنا العربية فريق عسكري زعم العلمانية والاشتراكية وانقلب على الحكومات التي كانت قائمة بشرع (دستور) يغلب عليه لسان لغو ومفاهيمه. ثمّ زعم هذا الفريق بقومية عربية لا وجود لها إلا فى رأسه الفارغ. وتسلط على الناس بما كتب من شرع منكر (دستور). أكره به جميع أطراف وفئات الناس. وتسلط على المعارف وأبدل وزارتها بوزارة التربية. فربّى وعبّد الشعب بمفاهيم التطرف والشرك والكذب والجهل. وتسلط على الملك فجعله ملكا عاماً وسرقه. وأفسد فى الحرث والنسل وأشاع الفحشاء والمنكر " الفوضى والعشوائية والجهل " فى كل أمر وشيء.
وبسبب طول فترة تسلّط هذا ٱلفريق وجرائمه ثار المربون المعبدون وأسقطوا سلطته. وبعد أن سقط وسقط معه الخوف منه. برز من بين صفوف الثائرين المعبدين بمفاهيمه فرق مختلفة تطالب جميعها بالديموقراطية وبوسائلها الانتخابية. وكانت الغلبة لفريق منها يظنّ أنّه الناطق والممثل للدِّين والشرع عند الله. وبظنّه وجهله بما وصّى وشرع الله. يطلب دستورا منكرا يفرّق ولا يؤلّف كدستور مَن ثار عليه. وبما يطلبه يُكره جميع فئات الشعب ويفرّق بينهم ولا يؤلّف ويوحّد كما وصّى الله. وترى اليوم هذه الفرق فى مصر تتشاجر على الدستور والحكم والسلطة.
" ٱعلموۤا أنَ هذا المفهوم الغربي هو ترجمة لما فى البيان الموحى من قول للكافرين “لكم دينُكم ولىَ دينِ”. فلا النبي يحكم الكافرين بدينه (قانونه). ولا الكافرون يحكمون النبي بدينهم. وٱلسكيولارزم هو المفهوم لدين (دستور أو قانون أو نظام) يؤلّف ويتوسّط بين قَرِيشِ مؤمنين ومسلمين ويهود وكافرين على صراط مستقيم (إيلاف قُرَيشٍ). فتنشأ أمّة وسط بينهم (حكومة اتحاد فيدرالي) من المالكين العالمين الصالحين الطيبين. تأمر بالمعروق (المعلوم علم يقين) وتنهى عن المنكر (غير المعروف). تؤلِّف بين الناس وتطعمهم من جوع وتأمنهم من خوف.
فتوقفوا عن التشاجر والتثريب أيُّها المصريون. وتنادوا إلى صلاة الجمعة للحوار فى عهد وميثاق تأتلفون به ولا تتفرقون بسبب طغوى شرعة ومنهاج أحدكم. وبما يؤلِّف بينكم تقوم أمّة وسط تحكم ويقوم بميثاقكم ٱلدين في بلادكم. وبه يقوم السلام والأمن بين أهل البلاد ويُطعَمون من جوع ويؤمنون من خوف.
في الختام قد لا نوافق على تفسيرات حسن للغة والنص القانوني إلا أنها وجهة نظرٍ أو نظرية نطرحها تحت عنوان أننا مدينون لكل الفكر والتراث الإنساني .
لا يوجد مراجعات