المجتمع المدني في العالم الإسلامي: منظورات معاصرة
إن الأطوار الناشئة لما يسمى العولمة في زماننا يجري استشعارها وفهمها فهماً مختلفاً عبر العالم الى حد ما. لقد بدأت المجتمعات الإسلامية تستوضح على نحو متزايد، وهذا ما قد تعنيه المثاليات المدنية ذات الصلة من نواح ثقافية ودينية واجتماعية داخل سياقاتها الخاصة ذات التنوع الكبير. ويعكس اهتمام المسلمين وتركيزهم على قضايا تتصل بالمجتمع المدني، في جزء منه، إدراكهم لغياب مؤسسات مستدامة تلبّي حاجات يستشعرونها بقوة وتتعلّق بالإنماء الإجتماعي والإقتصادي، وخفض مستوى الفقر، والحكم المناسب في مجتمعاتهم. وتتصل هذه التساؤلات أيضاً بدور الدولة بصفتها وسيطة في التغيير، وضامنة للعدالة الاجتماعية.
تقدم أوراق عمل هذا المجلد أفكاراً تتناول العديد من الأسئلة التي تزج بالعالم الإسلامي اليوم في خضم المسعى لرسم حدود صورة المجتمع المدني الحديث وجوهره. بالطبع لدينا تاريخ حافل بالنقاشات والمناظرات في الفكر والأعراف الإسلامية المتبعة في شأن المحتوى الأخلاقي للمجتمع وتعابيره المتنوعة الظاهرة من خلال الحكم السياسي والشرعي. وقد ناقش فلاسفة مسلمون من أمثال الفارابي وإخوان الصفاء بعمق قضية طرحها أفلاطون في وقت سابق، والمقصود بها تحديداً طبيعة "المجتمع الجيد". وبمتابعة بنائهم على الموروث الأفلاطوني والإرسططالي قطعوا شوطاً أبعد، فقد قلل هؤلاء من شأن ضرورة أن تعكس "الأمة" و "الأخلاق" ما كان في رأيهم القالب الذي يطلب الأفراد من الفضيلة ويبدعون أخلاقيات التوازن والتمايز في المجتمع. لقد جادلوا من أجل مصلحة خير أكبر للجميع باعتباره أمراً أخلاقياً ملحّاً انغمس فيه كلّ من المواطنين والدولة، وذلك لاعتقادهم بأن التكافل والسلطة كانا واقعاً مشتركاً في الحكومة الإسلامية. ولم يكتف هذا التقليد الفلسفي بإثارة قضايا عالمية ذات أهمية فكرية فحسب، ولكنه مثل مسعى عملياً للمجتمعات الإسلامية في ذلك العصر، لتحقيق الإجماع بين قوى مختلفة من الفكر تربط ما بين الاهتمامات الفكرية والشرعية والدينية للأمة.
وبروح هذا التقليد المتصف بالنقاش، دعا معهد الدراسات الإسماعيلية عدداً من العلماء الرياديين خلال العام الدراسي 2000-2001 لاستكشاف فكرة المجتمع المدني في سياقات إسلامية مقارنة. وكان المعهد قد سرّع أخيراً جهوده في استغلال فرص جديدة للتعاون الأكاديمي والنشاط التعليمي في آسيا الوسطى.
وفي حين تطرّق مؤلفو المقالات في هذا الكتاب الى السياقات الإسلامية، حاولوا تجنّب جعل الآراء متجانسة، أو الحطّ من قدر الإسلام وأثره في تعددية المجتمعات الإسلامية. إن قدراً كبيراً من التبسيط الزائد الذي تناول الإسلام، وخصوصاً في وسائل الإعلام الشائعة وبعض الكتابات الأكاديمية، قد تجاهل حقيقة أن السمة التعددية للمجتمعات الإسلامية بحاجة لأن تؤخذ جدياً كمقدمة في تحليل قضايا المجتمع المدني.
لا يوجد مراجعات