الانجيل برواية المسلمين

يحوي التراث الأدبي العربي الإسلامي بضع مئة حديث وقصة منسوبة إلى عيسى المسيح، والمادة المجموعة هذا الكتاب، والذي عنونه المؤلف "المسيح المسلم" مأخوذة من هذه الأحاديث والقصص التي تشكل أكبر مادة عن عيسى المسيح خارج المصادر المسيحية، كما أن المؤلف ارتأى الرمز إلى هذه المادة ككل بعبارة "الإنجيل الإسلامي) لتسهيل الإشارة إليها. والهدف الأساس في تجميع هذه المادة وتقديمها للقارئ هو إبراز صورة للمسيح غير معروفة بشكل جيد خارج المدوّنات العربية الإسلامية. وقد تثير هذه الصورة فضول أولئك الذين يهمهم فهم كيف أن حضارة دينية كالإسلام توقّر شخص المسيح وفي الوقت ذاته ترفض فكرة ألوهيته بشكل قاطع. من هذا المنظار، يشبه المسيح الذي تقدمه هذه المجموعة، في بعض النواحي المسيح وفقاً للتراث الإنجيلي. كما يختلف عنه في نواحٍ أخرى. ومن ناحية أخرى فإن هذه المجموعة من الأحاديث والقصص المنسوبة إلى عيسى المسيح التي حواها التراث الإسلامي والتي ضمّها هذا الكتاب والتي سمّاها المؤلف بالإنجيل المسيحي، فهي لم تتواجد كنصّ كامل في أيٍّ من المصادر العربية الإسلامية، بل هي مبعثرة في مدوّنات شتى من القرن الثاني للهجرة/الثامن للميلاد حتى القرن الثاني عشر للهجرة/الثامن عشر للميلاد. وتعتني هذه المصادر بمواضيع مختلفة كالأخلاق والأدب والتصوف والحكمة وقصص الأنبياء والأولياء. أما بخصوص الأحاديث والقصص عن عيسى، فهي تختلف حجماً، وهي كانت معروفة في معظم العالم الإسلامي، من الصين شرقاً حتى الأندلس غرباً، وهكذا فالبعض منها ليس غريباً على المثقفون المسلمين في يومنا هذا. أما من الناحيتين الأدبية واللغوية؛ فمعظم هذه الأحاديث محبوكة بأسلوب جيد. حيث أن المؤلفون كانوا قد اعتنوا بنقل هذه المادة عناية كبيرة بها، إن في اختيار الكلمات المناسبة أو في حبك القصص لتكون بذلك جديرة بشخصية وَضِفَتْ في القرآن والتراث الإسلامي بـ"روح الله" و"بكلمة الله". فأحاديث كـ"طوبى لمن كان بصره في قلبه ولم يكن قلبه في بصره" و"دع الناس فليكونوا منك في راحة ولتكن نفسك منك في شغل" ممكن جداً أن يكون قائلها المسيح الإنجيلي لشبهها بطريقة كلامه هناك. أما مصدر هذه الأحاديث والقصص، فإن المؤلف يحاول تتبع أصل أكبر عدد ممكن منها، وإيجاد أصل كل خبر من هذه الأخبار هو من دون شك أمر صعب جداً، ومن ناحية ثانية؛ فإن العدد الأكيد لهذه الأخبار عن عيسى غير معروف، وبالرغم من أنها جذبت اهتمام باحثين غربيين منذ القرن الثامن عشر على الأقل، لكن أول من قام بترجمة ونشر مجموعة صغيرة منها عددها سبعة وسبعون خبراً كان المستشرق الإنكليزي داود مرغوليوث. وهو أخذ معظمها من صدر واحد. بعد ذلك في سنة 1919، قام المستشرق الإسباني ميغل أسين وبالاسيوس بجمع ونشر 225 خبراً، ترجمها إلى اللغة اللاتينية مع تعليقات أيضاً باللاتينية، واستخدم أسين خمسة وخمسين مصدراً إسلامياً كلاسيكياً، ومجموعة أسين هذه كانت حتى الآن المصدر الأساسي للإنجيل الإسلامي. نبذة الناشر: إن ما قام به طريف الخالدي من جمع أخبار المسلمين عن يسوع، وتعقيبه عليها، عمل مرموق، موسّ‘ للأفاق، عميق التبحر في العلم، بعيد الغور في فهم الدين، لم يسبقه عمل على هذا النحو في إرساء التبادل بين الثقافات. وجهد الخالدي في إظهار تبني ديانة رئيسية الشخصية المركزية لديانة أخرى، ومحبتها لها، وهو عمل حافل بالجديد بقدر ما هو حافل بروعة الإشعاع، يضعه في المرتبة الأولى بين الرواد المتبحرين في تاريخ الإسلام في عصرنا هذا. هذا الكتاب متعة للقراءة، وهو سهل التناول لعامة القراء، وكذلك للذين لا يقبلون المزاعم العدوانية عن تصادم الحضارات باعتبارها مرفوضة بقدر ما هي باطلة. إدوار سعيد