مقاتل المسيحيين نجران 523 م والقدس 614 م
كسبت المسيحية في عهد السيد المسيح نفسه مواقع متقدمة على حساب اليهودية وكان أكثر هذه المكاسب أهمية تحول أعداد متزايدة من اليهود إلى المسيحية، والذي يعني - حتى ذلك الوقت - الإيمان بأن يسوع هو فعلاً المسيح، ويشار إلى هؤلاء المتحولين عادة بتعبير اليهود "اليهود المسيحيون" Jewish Christansor Judeo Christians الذي يلاحظ أنه يتكرر في الأدبيات الحديثة، وبغير شك كان الكهنة اليهود يدركون حجم هذه المكاسب وأهميتها، وهي كانت تمثل تهديداً لهم ولليهودية بشكل عام.
وقد زاد من خطورة هذا التهديد أن سلوكية المسيح، كما تبين سيرته المسجلة في الأناجيل، كانت تتصف بالإقتحام والتحدي والإمساك بزمام المبادرة والهجوم، وقد وصلت هذه السلوكية بهذه الصفات ذروتها عندما كان يتصدى لليهود في الهيكل نفسه مما كان يضعه في حالة مواجهة معهم في عقر دارهم.
وهذا ما كان يدفعهم غير مدة إلى التفكير بقتله، "كان يعلم كل يوم في الهيكل، وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجود الشعب يطلبون أن يهلكوه، ولم يجدوا ما يفعلون، لأن الشعب كله كان متعلقاً به ويسمع منه [انجيل لوقا 19: 47- 48].
غير أن اليهود تمكنوا من تسجيل نصر على المسيح من خلال الضغوط التي مارسوها على السلطات الرومانية والتي انتهت بصلبه، حسب الروايات المسيحية، وهو ما فاخر به اليهود بأن نسبوه إلى أنفسهم بإدعاء أنهم هم الذين قتلوه بالشنق (كما سيبين الباحث في دراسته هذه، فيما بعد تحت عنوان "صورة المسيح في التلمود").
غير أن الغياب الأرضي للمسيح (الذي تقرّه العقيدة الإسلامية أيضاً)، لم يمنع المسيحية من التقدم لتحقيق مكاسب إضافية، فإذا كانت المسيحية قد عملت في البداية في الوسط اليهودي على الأغلب؛ فقد انطلقت بعد المسيح لتخاطب الوثنيين أيضاً، الذين أخذت أعداداً كبيرة منهم يدخلون في إطار رسالتها.
وإلى جانب ذلك، فقد خرجت المسيحية من نطاقها الجغرافي المحدود بالإطار الفلسطيني إلى آفاق عالمية بفضل الرحلات التبشيرية التي قام بها الرسل (تلاميذ المسيح)، والتي أخذتهم إلى سوريا وجنوب الأناضول وغربه وقبرص واليونان ومناطق في البلقان وصولاً إلى روما.
كل ذلك حدث خلال عقود قليلة بعد غياب المسيح، كانت اليهودية خلالها تستشعر الخطر الداهم الذي يتهددها من جانب المسيحية، خاصة مع تلك السمة التي اتصفت بها المسيحية الماثلة في الإقتحام والهجوم اللذين عوّضا إختلال الميزان العددي ما بين القلة المسيحية والكثرة اليهودية، حتى ليمكن القول بأن القلة كانت تحاصر الكثرة، إزاء لجأت اليهودية إلى وسائل مختلفة في صراعها مع المسيحية، فقد قامت مجملة عقائدية شرسة على المسيح والمسيحية شكل عام "استهدفت منها تشويه صورة المسيح ورسائله، وهو ما سيعرضه الباحث تفصيلاً بالبحث عن صورة المسيح كما جاءت في التلمود، وفي ما سماه التاريخ المضاد لتاريخ السيد المسيح، وما يراه الباحث صحيحاً أن معالم هذه الصورة المشوهة، قد رسمت بخطوطها الرئيسية، وفي تلك الفترة المبكرة من تاريخ المسيحية التي تعانق المئة والخمسين السنة الأولى من بداية المسيحية، وإن كانت قد توسعت في مراحل لاحقة.
وغير ذلك مارست اليهودية القذف المادي للتخلص من خصومها قبل أن يتمادى خطرهم، وقد شمل ذلك عمليات القتل الفردي الموجهة إلى أبرز رموز المسيحية، وحملات إضطهاد جماعي كانت تجري على مراحل تاريخ مختلفة.
ومن الملاحظ أن عملية العنف المادي هذه، في تلك الفترة المبكرة؛ إن كان اليهود يقومون بها بأنفسهم، فإن بعض كان يجري بتحريض من اليهود وبتنفيذ من السلطان، هذا ما استعرضته الدراسة التي عرضت إلى المجازر التي اقترفها اليهود على المدى التاريخي الذي جعله الباحث إطاراً زمنياً لهذه الدراسة ينطبق عليه مصطلح إبادة الجنس او الإبادة الجماعية بصيغته النظرية وتطبيقاته العملية.
لا يوجد مراجعات