دوائر
تطفو الحقائق الروحية - الدينية المثلى بكل معانيها وتجلياتها في رواية (دوائر) للكاتب أحمد الحقيل، وحسب ما هو واضح في المتن السردي يستدعي الكاتب شخصية هاجر المصرية، التي عاشت ردحاً من الزمن في كنف الإمبراطورية الفرعونية، بكل زخمها المقدس، ليؤسس من خلالها عملية تداخل نصي / دلالي مع الوصية القرآنية، ولا سيما دلالة التيه في الأرض التي عاشتها هاجراً بعدما رمى بها إبراهيم في وادٍ مقفر غير ذي زرع مع ابنها إسماعيل، يخبرها بحتمية قاطعة "إنه أمر الله" ثم يرحل.
وعلى ما يبدو هناك الكثير من القواسم المشتركة بين تيه هاجر وتيه بطلي رواية (دوائر حيث تبدأ الرواية بمشهد رحلة ضاري وابنه إبراهيم من نجد تحديداً من المجمعة إلى مكة على سيارتهم وحين يصلون لا يجدون مكة وإنما صحراء قاحلة فيها إمرأة تركض من جبل إلى آخر تاركة ابنها الرضيع يبكي بين الرمال... ! هنا لف ضاري مقود السيارة وذهب إلى الأمام خائفاً فلا بد أنه في مكة وهو متأكد، لذا أين اختفت مكة! ومن هذه النقطة تبدأ رحلة التيه والبحث عن أرض الوطن.
ولعل قراءة المقطع الآتي من هذه الرواية يُنبأ بكثير مما أراد قوله الروائي أحمد الحقيل: "الإنسان لا يتغير، لأن ما خارجه هو الذي يحكمه، وليس هو الذي يحكم الخارج كما يظن، ولذا تتكرر الحياة، وتتكرر ردات الفعل، ويدور كل شيء على نفسه... أنت مجرد سائل يتشكل في الجسم الذي تصنعه تلك الظواهر الضخمة خارجك، ولأن أكثر هذه الظواهر متشابهة في كل زمان ومكان كحقائق ثابتة، فأنت أيضاً لا تتغير، أنت كائن بلا سلطة، بتاتاً، ويعيش في سعادة وبؤس الوهم في أنه يملك سلطة ما، فلماذا تصرُّ على التمسك بهذا السجن الجسدي؟ هذا العجز المكبِّل في صيرورة تبعيته اللاواعية...
لا يوجد مراجعات