الثورة في الفكر العربي المعاصر - مع ملحق خاص بـ "ثورات الربيع العربي"
لعلّ المتابع لمسار الفكر العربي منذ بداية عصر النهضة إلى الآن يقف على اهتمام المفكرين العرب بالثورة وقضاياها في الربع الثالث من القرن العشرين بشكل جليّ. وقد تجلى هذا الإهتمام في تواتر مفردة "الثورة" ومشتقاتها في عناوين الكتب والمقالات والدراسات ومحتواها. ومما عزّز هذا الإحتفاء بالثورة بروز نخب عسكرية تسلّمت الحكم بعد أن قامت بانقلاب أطاح بالنظام السابق لها وكان ذلك في مصر وسوريا والعراق ثم في ليبيا. وقد وسمت هذه النخب استلامها للسلطة بـ "الثورة" ، كما أعلنت عن التزامها بالنهج الثوري في تحقيق الأهداف الوطنية والبرامج التنموية. وبصرف النظر عن طبيعة العلاقة التي ربطت هذه الأنظمة الثورية بالمفكرين والمثقفين العرب، فإن هذه التجارب السياسية وما اقترنت به من تحوّلات إجتماعية وإقتصادية مثّلت مرجعاً تطبيقياً كان له الأثر في تشكيل تصوّر المفكر العربي للثورة مفهوماً وإجراءً.
وإذا سلّمنا بأن لكل بحث قضية فما قضيتنا في هذا العمل؟ إن السؤال المركزي الذي تدور عليه محاول الكتاب وتطمح سائر فصوله لمحاولة الظفر بالجواب الشافي عنه هو الآتي: كيف نفسّر تعاظم الإهتمام بالثورة في وعي النخب المثقفة وفي خطابها من جهة وغيابها في مستوى الواقع على مدى عقود ثلاثة أو أكثر في مرحلة دقيقة من مراحل التاريخ العربي المعاصر من جهة أخرى؟
وإذا وصلنا هذه المرحلة بما تشهده الساحة العربية اليوم في ما بات يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" فلعل من المشروع لنا أن نرتقي بالقضية إلى طرح السؤال الآتي: كيف السبيل ليتجاوز المفكر العربي ما يمكن أن نسميه "ضمور الحس التاريخي" باعتبار أنه نظر إلى الثورة قبل عقود، لكنها لم تقم في أي بلد عربي، وقامت "الثورة" اليوم في أكثر من بلد عربي، وهو ما يفتأ يلاحقها بعد أن سلّم بتعذّر قيامها وكان في غفلة عنها؟
لا يوجد مراجعات