أسرار عبد الله
"لا شيء تخشاه خديجة مثلما تخشى أن يكتشف زوجها عبد الله أنها لم تكف عن شرب الشاي. جاء والله جاء. يقول ابنها مصطفى وهو يمد رأسه في اتجاه الطريق الرملي الذي يسلكه كل الذاهبين إلى العلا والعائدين منها. تندفع خديجة واقفة، تفعل ذلك بسرعة هائلة رغم حالة الاسترخاء التي كانت مستغرقة فيها. تمسك بإبريق الشاي، تنظر حولها في ذهول كما لو أنها تبحث عن شيء تتثبت به لمواجهة الموقف الذي فوجئت به. وحين ترفعه ينصب منه قليل من الشاي الساخن على قدميها الحافيتين، لكنها لا تبالي بذلك، تلتقط بيدها الأخرى الطبق الصغير والكأس التي كانت قد وضعت فهيا بضع أوراق نعناع، وتتوجه راكضة إلى الحوش الداخلي. تعود بعد لحظة وتسأل ابنها: اقترب؟ ما زال بعيداً.. أين هو الآن بالضبط؟ قرب زيتونة الكلب. تنحني على الكانون وتلتقطه كما لو أنها تلتقط حجراً أو حصاة وتتوجه من جديد إلى الحوش. تغرف الرمل بيديها الاثنتين وتهيله على الحجر المتقد لإطفائه. وحين تفرغ من ذلك تأتي بسطل كامل من الماء وتصبه على الكانون لكي برد تماماً. ليست هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها خديجة إلى التوقف بشكل مفاجئ من إعداد الشاي حارمة نفسها بذلك مما يوفره لها هذا الطقس من المتعة والفرح وإذا كانت قد فوجئت بقدوم عبد الله، فليس لأنها لم تحسب حساباً لذلك، أو أنها لم تنتبه لمرور الوقت، وإنما لأن عبد الله لا يعود في العلا في مثل ذلك اليوم إلا بعد أن يمتد ظلّ الدار في اتجاه الشرق حتى يكاد يبلغ شجرة التوت في الحوش الخارجي، وخصوصاً بعد أن تكون قد احتست ثلاث كؤوس أو أربع من الشاي بالنعناع على مهل، وبعد أن تكون قد استلقت بكل جسدها عن الزريبة وأغفت قليلاً وربما شخرت أيضاً... وإذا كانت خديجة خائفة إلى هذا الحد فلأنها تعرف جيداً ما باستطاعة سي عبد الله أن يفعل بها لو اكتشف أنها لم تتوقف نهائياً عن شرب الشاي كما أمرها بذلك... تظل للحظة متجمدة في مكانها لا تدري ماذا تفعل..".
"أسرار عبد الله" رواية تدخل في عمق المجتمع التونسي وفي عمق إنسانه، متخيرة لحظات ضعفه ولحظات قوته. مسلطة الأضواء على أمراض المجتمع وأمراض الفرد النفسية. سرديات تنساب بتلقائية يسرح مع خيالاته القارئ متخذاً منها مشاهد يعيش داخلها ومعها. فها هو ينظر خديجة في حوشها في منزلها ويعايشها مع لحظات خوفها، ويعيش مع عبد الله لحظات قوته، هو الرجل الآمر الناهي، ليكتشف مدى ضعفه عندما يعيش لحظات خوفه عند ترقبه مقدم اللصوص الذين يريدون السطو على ممتلكاته وأوراقه. ويعيش معه لحظات حنينه عندما يستبد به آخر العمر للعودة إلى زوجته الأولى.
لا يوجد مراجعات