تناص معماري
موضوع هذا الكتاب هو أحد المواضيع المطروحة بقوة على بساط البحث في أدبيات النقد المعماري الحداثي وهو يستقي أهميته المعمارية من جانبين فهو يثري المرجعية الفكري لمصممي تلك الأبنية بقيم معمارية مختلفة من جانب ومن جانب آخر. يقدم للمعمار المحلي تمريناً ملموساً لأهمية تلك القيم والمبادئ المألوفة لديه، ولكن من خلال قراءتها بنكهة خاصة نكهة متأنية من تأويل الأخر وتفسيره لها ضمن معايير ثقافته المختلفة ومستوى معارفة المهنية فالكتاب يشتعل على منهاج إعادة فهموتقييم العناصر المألوفة لعمارتنا ضمن رؤى مخالفة قادرة بحكم تميز منجزها أن تمنحها حياة أخرى وتجعل منها جزءاً من تطبيقات الخطاب الحداثي المواز بمقالاناته المتنوعة المتحم بها المشهد المعماري العالمي.
ومفهوم "التناص" كما يرد في مفاهيم النقد المعماري الحداثي هو مفهوم شائك ومتنوع في طروحاته، لكنه أساساً مفهوم نقدي أدبي نحتته الناقدة البلغارية الأصل" جوليا كريستينا" وحددته "بلوحة فسيفسائية من الاقتباسات. كما أنه "تقاطع داخل نص مأخوذ من نصوص أخرى ومجال التناص لا يقتصر على الجانب الأدبي وإنما يصمم كل ما أنتجته الحضارة الإنسانية من علوم وأداب وفنون. ولهذا فهو يوظف في آليات النقد المعماري أيضاً ويتوخى التناص هنا دراسة تداخل القيم والأفكار التي تعود لثقافات مختلفة ويجعل من ذلك التداخل بمنزلة حاضنة فكية يستقي المصمم منها أفكاره المعمارية. كما أن التناص معنى في كشف العلاقات الثنائية بين منجز معماري محدد (باعتباره نصاً إبداعياً) ومنجز آخر، بين أطروحة معمارية وأخرى. إنه ينشد إلى إدخال قيم هجينة تعود لثقافات متنوعة ولطروحات معمارية محددة وتجعل منها خطاباً لمرجعية فكرية تنهض عليها الممارسة الإبداعية فقيم الأثر المميز معمارياً والاستثنائي في فكرته التصميمة والمنتمي إلى ثقافة الآخر، يتبدى بمدلول آخر يضاف إلى مدلوله الخاص والمعرف به ضمن سياق المفاهيم الثقافية والمعمارية التي ينتمي إليها عبر قراءة مختلفة وتأويل مغاير.
يحتوي الكتاب ثلاثة فصول مع خاتمة وملاحق تسعى إلى كشف مفهوم التناص المعماري ضمن ممارسة المعماريين الدانمركيين في تصاميمهم المخصصة للأرض العربية بالإضافة إلى مشروع خاص بإيران وهيكلية الفصول مبنية بمعمار يبتغي منه الإحاطة الموضوعية لتلك الفعالية وكشف حصائصها يتناول الفصل الأول أهمية الحوار الثقافي بين الحضارات وأشكاله وبالطبع يركز هذا الفصل على الجانب الثقافي الذي تنتمي العمارة إليه كونها فعل ثقافي بامتياز وبما أن الكتاب معني بمتابعة وعرض وتفكيك "ثيمة" محددة فإنه ومن أجل إظهار أهميتها يحرض هذا الفصل على تناول أعمال المعماريين العالميين الآخرين الذين عملوا في منطقتا، ويقدم خبرتهم الخاصة ومقارباتهم المتميزة في التعاطي مع ثيمة الكتاب.
أما الفصل الثاني فعني بإعطاء القارئ العربي نبذة مختصرة وربما لأول مرة. عن منجزات أهم أولئك المعماريين الذين تصدوا لفعالية التناص مع العمارة الإسلامية عبر تصميمهم المخصصة لمنطقتنا.
كرس الفصل الثالث لأعمال المعماريين الدانمركيين الذين عملوا في منطقتنا، والذين حرصوا على تقديم رؤاهم الخاصة بموضوع الكتاب، وهم ينوبون بتصاميمهم المميزة عن نشاط معماري متنوع ومتعدد الرؤى بين الدانمرك وبقية البلدان العربية، شهدته الفترة الزمنية الأخيرة.
ويخلص الكتاب إلى خاتمة وملاحق تتضمن إعطاء لمحة عن مملكة الدانمرك وعن السير الذاتية للمعماريين الذين عملوا في منطقتنا. وثمة تبيان للمصادر المعتمدة في كتابة نصوص الكتاب. كما أن هذه المصادر يمكن أن تكون مرشداً لأولئك الذين لديهم رغبة في اهتمام واسع وعميق للتعرف على واقع العمارة الاسكندينافية ولا سيما الدانمركية منها.
وبهذه الهيكلية التي تؤسس لمنهجية نراها مقبولة بتصدي الكتاب إلى إشكالية الحوار مع الآخر، ذلك الحوار الذي يتطلع إلى أن يتم على مستوى رفيع بشأن العمارة، على أن "ثيمة" الكتاب ليست قاصرة على رؤية الآخر، وفهمه وحتى قبوله فقط: وإنما تتعاطى مع موضوع "الأنا" منظوراً إليها من قبل "الآخر" (وهنا المقصود: المعماريون الدانمركيون) وتناصهم مع منجز العمارة الإسلامية، عند اشتغالهم على تصاميم مخصصة للأرض العربية، ورؤية ذلك التعامل من وجه نظر محلية تتمثل بخصوصة الكاتب المنتمي إلى تلك البيئة الثقافية المعنية بإجراءات التناص.
لا يوجد مراجعات